استثمار

وزيرة التخطيط: مستمرون في الإصلاح الهيكلي لضمان استدامة استقرار الاقتصاد الكلي

الأحد 25 مايو 2025 - 01:11 م
عمرو مصطفى
الدكتورة رانيا المشاط
الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتعاون الدولي

شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، اليوم الأحد، في منتدى قادة السياسات المصري الأمريكي.

ويناقش المنتدى - الذي يستمر على مدار يومين، وتنظمه غرفة التجارة الأمريكية في مصر بالتعاون مع مجلس الأعمال المصري الأمريكي- تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والولايات المتحدة، وفرص الاستثمار المتاحة في مصر مع الشركات الأمريكية.

وقالت الدكتورة رانيا المشاط، إن منتدى اليوم يناقش عمق الفرص النوعية والدقيقة المتاحة أمام المستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية في مصر، لافتة إلى كتيب "فرص الاستثمار" الذي تم إعداده مع غرفة التجارة الأمريكية، ويمثل خريطة استثمارية واضحة وشاملة تسلّط الضوء على أبرز الفرص المتاحة، سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب، وتشرح ما تم اتخاذه من إصلاحات وسياسات لتمهيد الطريق أمام دخول استثمارات جديدة من شأنها دفع عجلة الاقتصاد المصري إلى الأمام.

وأكدت "المشاط"، اهتمام الحكومة وحرصها على المشاركة الفعالة في الحوار المباشر مع الشركاء المحليين والدوليين، لافتة إلى أن الدولة المصرية تضع ملف الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص في مقدمة أولوياتها الوطنية.

واستعرضت "المشاط" الإطار العام الذي تستند إليه السياسات الاقتصادية الحالية في مصر، والإصلاحات المتكاملة على مستوى السياسات المالية، أو النقدية، أو التجارية، أو الصناعية، أو الاستثمارية، مشيرة إلى الإطار العام الذي يحكم العمل الاقتصادي في مصر، حيث تعتمد الأعمال حاليا على التنسيق الكامل بين مختلف الوزارات والجهات، لتحقيق تكامل حقيقي بين السياسات العامة بما يخدم توجهات الدولة نحو بناء اقتصاد قوي، منتج، قادر على التصدير، ومُولّد لفرص عمل مستدامة.

وأوضحت، أن ذلك الإطار يرتكز على ثلاثة محاور هي، تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي: من خلال ضبط السياسة النقدية والمالية وضمان استقرار سعر الصرف وكبح التضخم وتحقيق الانضباط المالي، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري: من خلال تطوير البنية التحتية، وتحديث التشريعات، ودعم التحول الرقمي، وتحفيز الابتكار، بالإضافة إلى إطلاق الطاقات الكامنة للقطاع الخاص: باعتباره المحرك الأساسي للنمو الحقيقي طويل الأجل، والدعامة الأهم لخلق فرص العمل ورفع معدلات الإنتاجية، وذلك من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتسهيل الإجراءات، وإزالة العقبات البيروقراطية، وزيادة الشفافية، وتحسين الحوكمة الاقتصادية.

وأشارت، إلى الخصائص التي تُميز الاقتصاد المصري عن غيره من اقتصادات المنطقة، ومنها تنوعه الكبير وقاعدته الإنتاجية العريضة، حيث يعتمد على العديد من القطاعات النشطة التي تسهم في الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل ضخمة، مثل قطاع الصناعة التحويلية، خاصة الصناعات غير البترولية، التي سجلت مؤخرًا معدلات نمو قياسية وصلت إلى نحو 18%، وهو نمو مستدام تحقق على مدى ثلاثة أرباع متتالية، وقطاع السياحة: الذي شهد انتعاشة قوية، خاصة مع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير في يوليو المقبل، ما سيشكل نقلة نوعية في تجربة السياحة الثقافية في مصر، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي ينمو بوتيرة ثابتة ويحقق معدلات نمو تصل إلى 10%، ويعد من أكثر القطاعات جذبًا للشباب والمستثمرين، وقطاع النقل واللوجستيات: وهو قطاع استراتيجي يعكس ما يجري من تطور في الموانئ والبنية التحتية، وسجل نموًا قريبًا من 10%.

هذا فضلاً عن امتلاك مصر قوة عمل شابة، ماهرة، وذات تكلفة تنافسية، وهي مورد بشري ضخم تسعى الحكومة إلى تعظيم الاستفادة منه عبر برامج التدريب وبناء المهارات.

وتحدثت الوزيرة، عن تطورات الاقتصاد الكلي ومؤشرات الأداء، مشيرة إلى الإجراءات الجريئة التي تم اتخاذها في مارس الماضي، حيث شهد الاقتصاد المصري من بعدها تحولات كبيرة، أهمها تحقيق استقرار كبير في سوق الصرف، واختفاء السوق السوداء للعملة، وتبني سياسة مالية انضباطية صارمة تهدف إلى تقليص العجز وتحقيق فائض أولي، وحوكمة أكثر كفاءة في إدارة الاستثمارات العامة، بما يضمن الكفاءة والتوجيه الصحيح للموارد، فضلا عن تحقيق شفافية أعلى في الشركات المملوكة للدولة، في إطار جهود الدولة لفصل الملكية عن الإدارة وتحسين الحوكمة.

وتابعت "المشاط"، أن الاستثمارات الخاصة شهدت كذلك تعافيًا ملحوظًا، إذ تجاوزت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي مساهمة الاستثمارات العامة لأول مرة منذ سنوات، وهو ما يؤكد نجاح جهود فتح المجال أمام القطاع الخاص، كما ارتفعت تحويلات المصريين من الخارج لتعود إلى مستوياتها السابقة، فيما تسجل السياحة هذا العام أعلى معدل في عدد الزوار والإيرادات منذ سنوات، مؤكدة أنه على الرغم من التحديات الإقليمية، وانخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة الظروف الجيوسياسية، فإن النمو والصادرات المصرية – سواء السلع تامة الصنع أو نصف المصنعة أو المواد الخام – تواصل الارتفاع، ما يعكس تحسن هيكل الاقتصاد وتنوعه.

وفيما يتعلق بالتحول نحو اقتصاد منتج وقائم على التصدير؛ قالت "المشاط"، إن مصر تنتقل تدريجيًا من نموذج اقتصادي يعتمد على القطاعات غير القابلة للتصدير، إلى نموذج يقوم على الإنتاج، والصناعة، والتصدير، لأن هذا هو الطريق لخلق فرص عمل مستدامة، وتحقيق نمو حقيقي ومرتفع الإنتاجية، لذلك فإن هناك تركيز كبير على جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة الخضراء، عبر مشروعات طموحة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، ومحورًا إقليميًا للأمن الغذائي، عبر دعم سلاسل القيمة المضافة في الزراعة والصناعات الغذائية، وكذلك مركزًا للتجارة واللوجستيات، من خلال تطوير الموانئ وربطها بمحاور التنمية والمناطق الصناعية.

ولفتت الوزيرة، إلى كيفية بناء اقتصاد أكثر استدامة، مشيرةً إلى أن استقرار الاقتصاد الكلي هو الأساس، لكنه ليس كافيًا وحده، لذا تعمل الحكومة على تنفيذ برنامج إصلاحات هيكلية طموح، يقوم على ثلاث ركائز أساسية هي تعزيز مرونة الاقتصاد الكلي: لضمان استدامة الاستقرار المالي والنقدي، وتحفيز التنافسية وتعزيز دور القطاع الخاص: من خلال تحسين التشريعات، وتبسيط الإجراءات، وتشجيع ريادة الأعمال، ودعم التحول الأخضر: والانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون ومستدام، ينسجم مع التزامات مصر البيئية وأهداف التنمية المستدامة.

وأكدت، أن التحول الأخضر ليس فقط قضية بيئية، بل هو فرصة حقيقية للاستثمار، والتوظيف، والتصدير، وكل تلك الفرص تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية، وبالتالي خلق مساحة مالية أوسع للدولة، فنحن ننتقل من دائرة اقتصادية سلبية تعتمد على سعر صرف ثابت، وسياسة نقدية مستقلة، وتدفقات رأس مال غير مستقرة، إلى دائرة إيجابية تعتمد على الاستقرار الاقتصادي الكلي، والإصلاحات الهيكلية، والتنمية.

ولفتت، إلى أهمية التمويل من أجل التنمية، لافتة إلى أن مصر أصبحت منصة مهمة للتعاون مع المؤسسات الدولية. هذه المؤسسات لا تمول الحكومة فقط، بل تقدم التمويل أيضًا للقطاع الخاص، باستخدام أدوات وآليات تمويل متعددة، موضحة أنه خلال السنوات الخمس الماضية، حصل القطاع الخاص في مصر على أكثر من 15 مليار دولار من التمويل الميسر، وهو ما يُعد عاملاً مهمًا جدًا لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأشارت، إلى منصة "نوفي"، موضحة أن مواجهة التحديات المناخية يمكن أن تكون في ذات الوقت فرصة لتحقيق التنمية، حيث اعتمدت مصر على ذلك النهج في تطوير منصتها الوطنية لبرنامج "نُوَفِّي" لربط التمويل المناخي بمشروعات التنمية ذات الأولوية في قطاعات الطاقة والغذاء والمياه، وهو ما ساهم في جذب استثمارات دولية للقطاع الخاص بنحو 4 مليارات دولار خلال عامين، لتوليد 4 جيجاوات من الطاقة المتجددة، وهذه التمويلات لم تذهب فقط لشركات مصرية، بل شملت شركات دولية أيضًا، بتمويل من مؤسسات دولية وبنوك تجارية، إضافة إلى مكونات منح تم إضافتها لتقليل أعباء التمويل، موضحة أن هذا يعد فرصة للشركات الأمريكية الراغبة في دخول السوق المصري، خصوصًا في مجالات الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة.

كما أشارت، إلى المشروعات المرتبطة بتخزين الطاقة الكهربائية للمساعدة في الوصول إلى هدفنا الوطني وهو تحقيق 42% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، موضحة أن من بين الركائز الأساسية الأخرى للتنمية في مصر هي التجارة واللوجستيات، حيث تعمل مصر حاليا لتكن مركزًا إقليميًا للتجارة، مشيرة إلى تطوير العديد من الموانئ – البحرية والجافة – من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتم تمويلها عبر مصادر دولية، وكذلك تطوير الأنظمة الرقمية لتسهيل التجارة، وهو ما ساهم في تحسين ترتيب مصر في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي، حيث قفزنا إلى المرتبة 54 في عام 2023.

وقالت "المشاط" إن مصر بصدد إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية خلال يونيو المقبل، والتي تتضمن روؤى رئيسية، تشمل: الاستقرار الاقتصادي الكلي، تدفقات الاستثمار الأجنبي، أداء الصناعة والتجارة، وجاهزية القوى العاملة، مؤكدة أن هدف مصر يرتكز في تحقيق نموًا حقيقيًا، وتوفير فرص عمل، وتعزيز صلابة الاقتصاد في مواجهة الأزمات العالمية والإقليمية.

وفي إجابتها عن تساؤل حول كيفية موازنة مصر بين التخطيط للتنمية طويلة المدى والحاجة إلى المرونة في اقتصاد عالمي سريع التغير، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط أن مصر تعمل كغيرها من الدول في وقت تتداخل فيه الأزمات، من تغيّر المناخ والتحولات الجيوسياسية، إلى التسارع التكنولوجي، وكلها تتطلب توازناً دقيقاً بين الالتزام بأهداف التنمية طويلة الأمد والقدرة على التفاعل السريع مع التحديات العالمية الناشئة.

وأشارت "المشاط" إلى سعي مصر لتحقيق هذا التوازن من خلال تحول مؤسسي نحو التخطيط المتكامل القائم على السياسات، لافتة إلى أن قانون التخطيط العام، الذي يرسخ للخطة الاقتصادية متوسطة المدى، أصبح الآن مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بقانون المالية العامة الموحد، مما يضمن اتساق الخطط والميزانية والسياسة المالية، مؤكدة أن هذا التكامل يمكّننا من تعديل الأهداف بشكل مسؤول استجابة للتحديات المتغيرة المختلفة.